خالد المازيسي

حسابي الشخصي

أصول الحيتان: حالة اختبار لنظرية التطور

كل الثدييات تقريبًا تصنف كرباعيات الأطراف، حيث تمتلك زوجًا أماميًا وزوجًا خلفيًا من الأطراف. ولديها فم مليء بأسنان صلبة، ولديها فتحات أنف بالقرب من مقدمة الخطم.

 

الحيتان تغذي أجنتها من خلال المشيمة، وتطعم صغارها حديثي الولادة بالحليب … وغيرها من الصفات التي تجعل منها ثدييات بما لا يد مجالا للشك. مع ذلك، فإن الحيتان متكيفة تمامًا للعيش في الماء. الحيتان والدلافين الحديثة عادةً لا تظهر أرجل خلفية، فتحات أنفها تقع بالقرب من قمة رؤوسها، ولديها ميزات مختلفة في رؤوسها وفكوكها تسهل السمع تحت الماء. أيضًا، فإن فئة رئيسية من الحيتان تفتقر إلى الأسنان العادية: الحيتان “البالينية” مثلا تستخدم صفائح بلين مسامية لتصفية الطعام من الماء.

 

إذا كانت التطور من سلف مشترك صحيحًا، فإن الحيتان الحديثة يجب أن تكون قد انحدرت وتطورت من ثدييات سابقة ذات أرجل خلفية وأسنان، وفتحات أنف في مقدمة أنوفها، ويجب أن نجد دليلًا ماديًا على هذا الإنحدار والتطور في جينوماتها وفي السجل الأحفوري. ما يجعل التطور في هذه الحالة يقدم تنبؤات واضحة ودقيقة، مما يتيح لنا إمكانية دحضه إذا لم يكن صحيحًا. هذه هي الطريقة التي يتقدم بها العلم؛ إذا ثبتت صحة تنبؤات النظرية مرارًا وتكرارًا في مجموعة واسعة من الظروف، يصبح لدينا مبرر أقوى للتصديق بهذه النظرية. أما إذا فشلت التنبؤات فيجب علينا إما تعديل النظرية أو التخلي عنها.

 

يتكلب حدوث التطور وجود العديد من الأنواع الوسيطة التي عاشت بين الحيتان الحديثة (التي لا تمتلك أرجلًا خلفية وفتحات أنف تقع أعلى رؤوسها) وأسلافها الأولى التي كانت كائنات برية بالكامل (تمتلك أربع أرجل وفتحات أنف في مقدمة خطمها). ومن المفترض أن تمتلك هذه الأنواع الوسيطة سمات جسدية بينية ووسيطة بين أسلافها الأولى والحيتان الحديثة، مما يعني أنها ستظهر أرجلًا خلفية منكمشة ومختزلة وفتحات أنف متراجعة جزئيًا نحو مؤخرة الخطم فوق الجمجمة. وبينما نعترف بعدم قدرتنا على استعادة أحافير كل الأنواع التي عاشت في الماضي، فإننا نتوقع، بناءً على نظرية التطور، العثور على عدد من هذه العينات الوسيطة في الطبقات الصخرية القديمة.

 

كان أسلاف الحيتان يمتلكون جينات لإنتاج أرجل خلفية وأسنان. لذلك، بناءً على نظرية التطور، نتوقع العثور على هذه الجينات المسؤولة عن الأرجل الخلفية في جينومات الحيتان، حتى وإن كانت تلك الجينات لا تُعبّر عن نفسها في شكل أرجل خلفية فعلية. وبالمثل، نتوقع العثور على جينات الأسنان الكاملة بالمينا في جينومات الحيتان البالينية، رغم أن هذه الأسنان لا تتكون فعليًا في الحيتان البالغة. دعونا نلقي نظرة على الأدلة ونرى ما إذا كانت تدعم هذه التنبؤات المحددة من نظرية التطور.

 

ما هو الحوت؟

 

تُستخدم كلمة “الحوت whale” بمعنيين رئيسيين. في المعنى الأوسع، يمكن أن تشير إلى الحيتانيات cetaceans ككل. وهذا يشمل جميع أنواع الحيتان المسننة (Odontoceti)، بما في ذلك الدلافين، والحيتان البالينية (Mysticeti)، وكذلك الأنواع المختلفة من الحيتان المنقرضة الموجودة في السجل الأحفوري. وهذا هو المعنى الذي سنستخدمه بشكل عام هنا. ومع ذلك، تُستخدم كلمة “الحوت whale” أحيانًا للإشارة إلى الحيتانيات باستثناء الدلافين وخنازير البحر.

سمات الحوت الأزرق من ويكيبيديا

 

يُعتبر الحوت الأزرق أكبر حيوان معروف على الإطلاق، حيث يبلغ الوزن الأقصى المسجل له 170 طنًا. ويُظهر الشكل أعلاه بعض السمات المشتركة بين جميع الحيتان، إلى جانب سمات أخرى تميز أنواعًا معينة من الحيتان فقط. أولاً، لاحظ الغياب التام للأرجل الخلفية. أيضًا، بدلاً من وجود فتحتين للأنف في مقدمة الخطم، يوجد زوج من “فتحات النفث Blow hole” في أعلى الرأس. الحيتان (على عكس الأسماك) لديها رئات وتحتاج إلى أخذ أنفاس من الهواء لتعيش، لذا فإن وجود فتحة النفث في أعلى الرأس يجعل من الأسهل للحوت التنفس أثناء وجوده في وضع أفقي تحت سطح الماء مباشرة.

الحوت الأزرق هو حوت باليني (من نوع Mysticeti). تُظهر الصورة ألواح البالين الخاصة به (Baleen plates). حيث تقوم حيتان البالين بتمرير مياه البحر عبر شعيرات البالين لاحتجاز الأسماك الصغيرة أو اللافقاريات أو العوالق التي يتغذى عليها الحوت لاحقًا.

تشريح الدلفين من ويكيبيديا

 

يُظهر الشكل أعلاه تشريح الدولفين (وهو حوت مسنن). ومثل الحيتان الأخرى، توجد فتحة النفث أعلى الرأس. وباعتباره مفترسًا فإن الدولفين يمتلك أسنانًا ويستخدم نظام صدى لتحديد موقع الفريسة. يُنتج الدولفين نقرات في ممراته الأنفية، ويتم تركيز هذه النقرات للأمام عبر عضو “البطيخة melon ” الموجود في مقدمة رأسه، فيعتمد على ارتداد هذه النقرات لتحديد المواقع والأجسام. وكغيره من الحيتان، يسمع الدولفين الأصوات (بما في ذلك النقرات المرتدة) بشكل أساسي عبر عظمة الفك السفلي، التي تنقل الأصوات إلى الأذن ثم الى الدماغ. وسنتناول مزيدًا من التفاصيل حول تشريح الأذن في الأسفل.

 

  • السمة المميزة لأذن الحيتانيات

 

توجد ميزة هيكلية مميزة تظهر في جميع الحيتانيات، ولا توجد في أي حيوان حي آخر، وهي جدار سميك لعظم الطبلة في الأذن الوسطى. يأخذ هذا العظم شكل نصف قشرة جوز فارغة من الداخل. في معظم الثدييات، يكون سمك جدار هذا التجويف ثابتًا تقريبًا حول الأذن. أما في الحيتان، فإن الجدار الداخلي أكثر سمكًا من الجدار الخارجي. يُطلق على هذا الجدار السميك اسم الإنفلوكروم Involucrum

 

توجد هذه الخاصية المميزة أيضًا في سلسلة من الحفريات التي تحتوي على سمات شبيهة بالحيتان، والتي يعود تاريخها إلى عشرات الملايين من السنين. لذلك، قرر العلماء تصنيف جميع هذه الكائنات ضمن “الحيتانيات cetaceans ” أو الحيتان، حتى وإن كانت الحفريات الأقدم منها أقل شبهًا بالحيتان الحالية. بعض هذه الكائنات الأحفورية (مثلPakicetus وIndohyus ) تمتلك أرجلًا بدلًا من الزعانف، وكانت تعيش بوضوح على اليابسة، على الرغم من أن خصائصها تشير إلى أنها قضت وقتًا طويلًا في الأنهار.

 

الحيتان الحية، ومعظم الحيتان الوسيطة الأحفورية، تحتوي أيضًا على قمة عظمية متموجة على صفيحة طبلة الأذن tympanic plate ، على الجدار المقابل للإنفلوكروم. تُعرف هذه الحافة المتموجة باسم  (Sigmoidal Process)  تظهر هذه السمة في Pakicetus، ولكنها تكون أشبه بلوحة مسطحة أكثر منها من شكل الاصبع كما هو الحال في أذن الدولفين.

عظم طبلة الأذن لحفرية باكيستوس وللدلفين الحديث، يظهر سماكة الإنفلوكروم للجدار الداخلي.
من كتاب The Walking Whales (2014)

 

 

الأدلة الجينية على تطور الحيتان

 

  • هل هناك جينات للأرجل الخلفية في جينومات الحيتان الحديثة؟

من الشائع العثور على جينات معطلة في الكائنات الحية. يمكن التعرف على هذه الجينات من خلال تسلسل الحمض النووي الخاص بها، والذي يحتوي على التعليمات اللازمة لإنتاج البروتينات، إلا أن بعض الطفرات في الجين نفسه أو في المناطق التنظيمية المرتبطة به تمنع إنتاج البروتين الأصلي. في بعض الحالات، يمكن العثور على هذا الجين نفسه في أنواع أخرى، حيث يؤدي بالفعل إلى إنتاج البروتين. تُعرف هذه الجينات المعطلة باسم الجينات الزائفة (Pseudogenes). خلال عملية التطور، قد يتم إعادة استخدام بعض المواد الجينية الموجودة في الجينات الكاذبة. لذلك، على الرغم من أنها لم تعد تشفر البروتين الأصلي، فقد اكتسبت العديد من الجينات الكاذبة وظائف أخرى داخل الجينوم. وبالتالي، ليس من الصحيح وصفها جميعًا بأنها “خردة”

 

مثال معروف للجينات الكاذبة في الجينوم البشري هو الجين “GULO”. تمتلك الثدييات مجموعة من الجينات، بما في ذلك جين يسمى GULO، لتخليق فيتامين C (حمض الأسكوربيك) الذي يُعد مركبًا أساسيًا لعملية التمثيل الغذائي. في بعض الثدييات، مثل خنازير غينيا والعديد من الرئيسيات (بما في ذلك البشر)، توجد طفرات في جين GULO تجعله غير فعال في إنتاج فيتامين C. لذلك، يجب على البشر وهذه الأنواع الأخرى الحصول على  الفيتامين C من خلال الطعام للبقاء بصحة جيدة، نظرًا لأنهم (على عكس معظم الثدييات) لا يمكنهم تصنيعه بأنفسهم.

 

هناك سبب للاعتقاد بأن أسلاف الرئيسيات الحالية (وخنازير غينيا) كانوا يتبعون نظامًا غذائيًا ويحصلون على أطعمة غنيًة بالفيتامين  C، لذا لم تكن وظيفة جين GULO ذات أهمية كبيرة للبقاء على قيد الحياة؛ ومن ثم، كان من الممكن أن تتراكم الطفرات المعطلة في جين GULO لدى هذه الأنواع دون أن تقضي عليها ودون أن تؤثر على صلاحيتها وقدرتها على البقاء. الاحتفاظ بجين GULO المعطل في الجينوم البشري هو أمر متوقع وفقًا لنظرية التطور، ولذلك فإن العثور عليه يُعد دليلًا إضافيًا على التطور من سلف مشترك.

 

كما هو مذكور، يتطلب السلف المشترك وجود جينات لنمو الأطراف الخلفية في أسلاف الحيتان اليوم.   باستثناء بعض أحداث الحذف الجيني غير قليلة الإحتمال، نتوقع أن نجد هذه الجينات لا تزال في جينومات الحيتان الحالية، على الرغم من أنها لم تعد تؤدي وظيفتها الأصلية.

 

أظهرت الدراسات التي أجريت على الثدييات الأخرى وجود عدد من الجينات التي تلعب دورًا حاسمًا في تكوين الأطراف الخلفية. وتشمل هذه الجينات جين “سونيك هيدجهوج” (SHH)، إلى جانب الجينين FGF8 وFGF10، وجميعها تم تحديدها في جينومات الحيتان. الجين الذي يُعتبر الأكثر ارتباطًا بتكوين الأطراف الخلفية يُعرف باسم TBX4. وعند فحص جينوم الحوت، نجده هناك.

موقع الجين TBX4 في جينوم الحوت مقوس الرأس ، المسمى هنا bmy_10829.

 

كما توقعت نظرية التطور، لا تزال الجينات المسؤولة عن تكوين الأطراف الخلفية موجودة في الحيتان. نعلم الآن من خلال دراسات إضافية أن لهذه الجينات وظائف أخرى خلال التطور الجنيني، لذا يجب أن تكون موجودة في الحيتان حتى لو لم تعد تُنتج أطرافًا خلفية. ومع ذلك، فإن هذا لا يقلل من قيمة التنبؤ الأولي بوجودها استنادًا إلى الأصل المشترك.

حتى قبل ظهور تقنية تسلسل الجينوم الكامل للحيتان، كان يمكن استنتاج أن معظم الآلية الجينية المسؤولة عن تكوين الأطراف الخلفية موجودة في جينوم الحيتان. فقد أظهرت الملاحظات أن أجنة الحيتان تنمي بالفعل براعم صغيرة للأطراف الخلفية، لكنها لا تتطور إلى أطراف كاملة، ففي  دراسة أجراها Thewissen وزملاؤه عام 2006 تتبعت تطور أجنة الدلافين بالتفصيل، وحددت الجينات التي تنشط (أو لا تنشط) لتكوين الأطراف الخلفية في مراحل مختلفة من النمو الجنيني. على الرغم من أن جميع الجينات الضرورية لا تزال موجودة، إلا أن هناك تغييرات في عمليات التعبير عنها تمنع الأطراف الخلفية من النمو بعد مرحلة البراعم في الجنين. وهكذا، فإن فقدان الأطراف الخلفية في الحيتان (مثل العديد من التغيرات التطورية الكبرى الأخرى) لم يتطلب إنتاج جينات جديدة، بل شمل تغييرات طفيفة في تنظيم الجينات الموجودة.

 

إضافة الى ذلك فقد تمت ملاحظة حيتانيات متطفرة أحيانًا تظهر فيها الأطراف الخلفية قد نمت بشكل أكبر، كما هو الحال في الدلفين الموضح في الصورة أدناه. وهذا يُظهر مرة أخرى أن الآلية الجينية المسؤولة عن تكوين الأطراف الخلفية لا تزال موجودة في جينومات الحيتان، حتى وإن لم تُعبر عنها عادةً:

من  موقع TalkOrigins : زعنفة الذيل لدلفين تم العثور عليه في المياه الساحلية اليابانية. تشير الأسهم الصفراء إلى موقع مجموعة متطورة بشكل جيد من الأطراف الخلفية.

 

 

  • هل هناك جينات للأسنان في جينومات الحيتان غير المسننة اليوم؟

 

كما هو مذكور أعلاه، تتوقع نظرية والتطور والأصل المشترك أن الحيتان البالينية يجب أن تحتفظ بجينات تكوين الأسنان المغطاة بالمينا، على الرغم من أن هذه الأسنان لا تنمو فعليًا في أفواهها. قام دينيس فينيما Dennis Venema بتجميع الحقائق الرئيسية حول هذه الجينات في مقال له على Biologos ، ونقتبس هنا من مقاله “تطور الحيتان: النظرية، التنبؤ وخطوط الأدلة المتلاقية”

:

كانت بعض الجينات المعروفة بأنها تُستخدم في جميع الثدييات لتكوين الأسنان هي المرشحة الواضحة للبدء بها: منتجات جينات الأميليوبلاستين (ameloblastin)، والأميليوجينين (amelogenin)، والإيناميليين (enamelin)  تُستخدم جميعها في تكوين مينا الأسنان، وهو الهيكل الأصعب في الهيكل العظمي للفقاريات. قام الباحثون بالبحث عن هذه الجينات في عدة أنواع من الحيتان البالينية (أي الحيتان التي لا تملك أسنانًا). أظهرت النتائج أن جميع الأنواع التي تمت دراستها تمتلك بالفعل هذه الجينات الثلاثة كجينات زائفة.”

 

بمعنى آخر، كانت هذه الجينات موجودة في جينوم الحيتان البالينية (ولكن مع طفرات معطلة)، وهو ما يتوقعه التطور. يُظهر الشكل أدناه جزءًا من تسلسل الجين الزائف للأميليوبلاستين (AMBN) في الحمض النووي لحوت باليني، مقارنة بجينات AMBN  الوظيفية في حوت مسنن وفي أنواع أخرى كفرس النهر والخنزير والبشر… يحتوي جينوم الحوت الباليني على إدخال زوج إضافي من القواعد موضح هنا كـحرف “C” مما أدى إلى تعطيل إطار القراءة لجزء من الجين. هذا النوع من طفرات الإزاحة يمكن أن يغير بشكل كبير تعبير الجين، مما يجعله عادةً غير صالح لإنتاج البروتين الأصلي. باستثناء هذا “C”  المُدرج، فإن التسلسل الموضح هنا للحوت ذو الأسنان يشبه بشكل كبير تسلسل فرس النهر. وبشكل عام، يُعتبر جينوم
فرس النهر أكثر تشابهًا مع الحيتان مقارنة بأي ثديي آخر موجود حاليًا.

موقع حدوث طفرة إزاحة في جين AMBN عند الحيتان البالينية ومقارنته بتسلسل نفس الجين في ثدييات أخرى : المصدر.

 

ومع ذلك، عندما فحص علماء الأحياء تفاصيل هذه الطفرات وقد أزعجتهم الأنماط التي وجدوها. أشارت بيانات السجل الأحفوري إلى أن فقدان الأسنان حدث مرة واحدة فقط وفي وقت مبكر في السلالة التي أدت إلى جميع الحيتان الحديثة الخالية من الأسنان. وهذا قاد إلى توقع أن جميع الحيتان الحديثة الخالية من الأسنان ستشترك في طفرات معطِّلة متشابهة إلى حد كبير في هذه الجينات، أو على الأقل في أحدها.

 

ولكن، لم يكن هذا هو النمط الذي وجدوه:

 

لم تكن أي من الطفرات التي أزالت وظائف هذه الجينات الثلاثة مشتركة بين الأنواع المختلفة، مما يشير إلى أن هذه الجينات فقدت وظيفتها بشكل مستقل في الأنواع التي تمت دراستها.”

 

من خلال التفكير في إطار نظرية التطور، تم اقتراح احتمال آخر، وهو أن جينًا رابعًا ضروريًا لتكوين المينا قد فقد في وقت مبكر من تطور الحيتان البالينية :

 

فقدان جين واحد ضروري لتكوين المينا سيكون كافيًا لمنع العملية بالكامل. وفي هذه الحالة، فإن فقدان هذا الجين الرابع سيمنع تكوين مينا الأسنان، حتى لو ظلت التسلسلات الجينية للجينات الثلاثة الأخرى الخاصة بالمينا سليمة. وبمجرد فقدان وظيفة المينا، يمكن أن تتراكم الطفرات العشوائية في الجينات المتبقية للمينا لاحقًا خلال تطور الحيتان البالينية بعد أن كانت عمليات الإنتواع في هذه المجموعة قد بدأت بالفعل.”

 

وبناءً على هذا التوقع، قام الباحثون بفحص جينات أخرى ذات صلة بنمو مينا الأسنان ووجدوا الجين المتوقع الذي يحمل نفس الطفرة المعطِّلة في جميع الحيتان الحديثة الخالية من الأسنان. ومرة أخرى، كما ورد في مقال فينيما:

 

الدليل القاطع على فقدان الأسنان في الحيتان البالينية كان بالضبط ما تم توقعه: جين رابع، ضروري لإنتاج المينا، وبه طفرة معطِّلة واحدة مشتركة في جميع الحيتان الحديثة الخالية من الأسنان. الجين المعني، المعروف باسم enamelysin، تعرض للتعطيل عندما أدرج عنصر ناقل  يسمى SINE transposon نفسه داخله، مما قسمه إلى نصفين وأفقده وظيفته.”

 

وجود الطفرة نفسها الناتجة عن إدخال عنصر SINE في موقع متطابق في جميع أنواع الحيتان البالينية الحديثة يشير إلى أن هذه الطفرة حدثت مرة واحدة في أحد الأسلاف المشتركين، ثم ورثها جميع أفراد المجموعة. ولأن هذا يجب أن يكون قد حدث في وقت مبكر من تطور الحيتان الخالية من الأسنان ليشمل السلف المشترك للمجموعة بأكملها، فإن الصورة المستخلصة من علم الوراثة والسجل الأحفوري تتطابق.

 

مرة أخرى، يمكن استخدام الاكتشافات في مجال علمي واحد (في هذه الحالة علم الحفريات) لتقديم تنبؤات دقيقة للغاية عما يجب أن يكشفه مجال علمي آخر وغير ذي صلة (علم الجينوم المقارن). هذه النتائج تتماشى تمامًا أيضًا مع الملاحظة التي أُجريت في عشرينيات القرن الماضي، والتي تشير إلى أن الحيتان الخالية من الأسنان تُكوِّن براعم أسنان أثناء النمو الجنيني، لكنها تُعاد اختزالها وتدهورها لاحقًا قبل الوصول إلى المرحلة التي يبدأ فيها ترسيب المينا.

 

النص والشكل مقتبسان من مقال الدكتور دينيس فينيما.

 

التفسير المعقول الوحيد لوجود هذه الجينات المعطلة لتكوين مينا الأسنان هو أنها كانت في الأصل جينات وظيفية لدى أحد الأنواع الأسلاف للحيتان، لكنها تعرضت لطفرات كبيرة خلال عملية التطور. أما الاحتمال الآخر، فهو أن الله خلق هذه الأنواع من الحيتان البالينية بجينات غير وظيفية، لتبدو وكأنها نتاج التطور. لكن هذا تفسير سخيف وغير معقول، وإلا لكان الله يحاول أن يخدع الناس بحدوث التطور.

 

مزيد من الأدلة الجينية على السلف المشترك.

 

–  الجينات المعطلة لمستقبلات الشم (OR) وغيرها

 

مستقبلات الشم (ORs) هي بروتينات يتم التعبير عنها في أغشية خلايا الأعصاب الشمية. ترتبط هذه البروتينات بمركبات مختلفة تحمل روائح، مما يؤدي إلى الإحساس بالشم. في الثدييات، تتصل الأعصاب الشمية بالبصلة الشمية في الدماغ.

ليس من الواضح مدى كفاءة مستقبلات الشم التي ورثتها الحيتان المائية عن أسلافها البرية (المتخصصة في الشم في الهواء) في العمل تحت الماء. تعتمد الحيتان المسننة (Odontoceti) بشكل رئيسي على تحديد موقع الفريسة عن طريق تحديد الموقع بالصدى، بدلاً من الشم. وقد تم إعادة تشكيل ممراتها الأنفية لتسهيل إصدار نبضات الصوت، وهي تفتقر إلى البصلة الشمية والعصب الشمي.

 

بناءً على نظرية التطور، نتوقع أن جينومات هذه الحيتان المسننة لا تزال تحتوي على العديد من الجينات المسؤولة عن صنع مستقبلات الشم، والتي ورثتها من أسلافها البرية. ولكن (نظرًا لأن الحاجة إلى وظيفة هذه البروتينات قد تلاشت إلى حد كبير)، نتوقع أن نسبة كبيرة من هذه الجينات قد تعرضت لطفرات معطلة. وهذا بالفعل ما تشير إليه الأدلة.

 

يوضح الشكل أدناه أن نسبة الجينات المعروفة لمستقبلات الشم والتي تعطلت عن وظيفتها في التعبير عن البروتين (أي أصبحت جينات زائفة) تتراوح بين 74% إلى 100% في الأنواع السبعة من الحيتان المسننة المدرجة. بالمقابل، فإن نسبة الجينات الزائفة لمستقبلات الشم في الحيتان البالينية (Mysticeti) أقل بكثير (35% في النوع المدرج هنا)، مما يعني أن نسبة الجينات الوظيفية لمستقبلات الشم أعلى. تحتفظ الحيتان البالينية بالبصلة الشمية والعصب الشمي، ويُرجح أنها تستخدم حاسة الشم تحت الماء إلى حد ما.

نسبة الجينات الزائفة بين جينات مستقبلات الشم (OR) ، لأنواع مختلفة من الحيتان. المصدر 

 

في عام 2014، McGowen, et al. دراسة شاملة حول الاختلافات الجينية بين الحيتان والثدييات البرية، والتي توضح كيف اكتسبت الحيتان السمات التشريحية التي تميزها

الشكل أعلاه يوضح مفتاح الألوان المستخدم في الأشكال الموضحة في الأسفل، حيث يشير إلى التعديلات في الجينات أو تعبيرها الجيني في الحيتان (أو على الأقل بعض الحيتان) مقارنة بالثدييات الأخرى. يظهر الشكل أسفله الموقع التشريحي لتعبير الجينات التي تمت دراستها.

على سبيل المثال، تم تلوين الجينات الخاصة بمستقبلات الشم (OR) باللون الأحمر لأنها تعرضت إلى حد كبير للتعطيل في بعض الحيتان، وهي جينات مرتبطة بمنطقة الأنف.

تم أيضًا تعطيل عدد من أنواع الجينات الأخرى في جينوم الحيتان، بما في ذلك:

  • جينات أخرى مرتبطة بالتذوق والشم (مثل TAS1R وV1R في الحيتان المسننة).
  • بعض الجينات المرتبطة بشبكية العين (مثل OPN1SW).
  • جينات خاصة بمينا الأسنان (في الحيتان البالينية).

كما ناقشنا سابقًا، فإن الجينات SHH  وHAND2، المرتبطة بتكوين الأطراف الخلفية، لا تزال وظيفية لكنها خضعت لتقليل كبير في التعبير الجيني، ولذلك تم تلوينها باللون الأرجواني، وفقًا لمفتاح الألوان أعلاه.

بعض الاختلافات في الجينات/التعبير الجيني بين الحيتان والحيوانات البرية، المصدر

 

يوضح الشكل أدناه رسمًا لشجرة النسب بين المجموعات الرئيسية للحيتان الحية والمجموعات غير الحيتانية (“المجموعات الخارجية”)، مع تحديد النقاط التي حدثت فيها تغييرات مختلفة في التعبير الجيني. مرة أخرى، تشير النقاط الحمراء إلى الجينات الزائفة وما إلى ذلك. النمط هنا يعكس تسلسلًا هرميًا و دليل قويا على الأصل المشترك.

يتضمن تعليق الشكل أسفله في الدراسة الأصلية ما يلي:

 

تم تحديد التغيرات الجزيئية الرئيسية في الحيتانيات وربطها بالفرضية الفيلوجينية (A) وبالسمات التشريحية المقابلة (B)، تحدد الدوائر الملونة نوع التغيير الجزيئي. تشير العلامة (*) إلى أن التغيير الجزيئي حدث داخل الفرع المعني؛ على سبيل المثال، تعطيل الجين OPN1LW  على فرع Physeteroidea  يشير إلى أن هذا الجين أصبح جينًا زائفا داخل هذه المجموعة (وفي هذه الحالة، بشكل مستقل في Physeter  وKogia ، تشير العلامتان (**) إلى تغييرات جينية تم استنتاجها بناءً على جينوم الدلفين قاروري الأنف وتم وضعها افتراضيًا على فرع Delphinoidea. تمثل الأدلة على الإنتخاب الإيجابي في جينات مثل MCPH1 وASPM وMB وHOXD12 وHOXD13  تغييرات جينية مهمة في فرع الحيتانيات الأصلي، مما يشير إلى أدلة عامة على اختيار إيجابي في هذه المواقع ضمن الحيتانيات”

 

 

  • الجينات المعطلة لتجلط الدم ووظائف أخرى

 

تتواصل الأبحاث في فهم كيفية مساهمة الطفرات الجينية المختلفة في تكيف الحيتان مع البيئة البحرية. ففي دراسة أجريت عام 2019 قام بها Huelsmann وآخرين، تم تقديم تفاصيل إضافية حول كيفية تعطيل أو تقليل تنظيم جينات معينة لدى الحيتان، مما يفسر العديد من السمات الجسدية الفريدة التي تتكيف مع الحياة في المحيط والغوص العميق في الماء.

 

قام فريق البحث القائم على الدراسة بمقارنة جينومات الحيتان بجينوم فرس النهر (أقرب الأقارب البرية للحيتان) وبعض الثدييات الأخرى، لتحديد الطفرات الجينية المعطلة الجديدة التي تشترك فيها الحيتان المسننة (Odontocetes) والحيتان البالينية (Mysticetes).  بعد استبعاد أعضاء عائلات جينات المستقبلات الشمية وجينات الكيراتين التي تمت دراستها بالفعل بالتفصيل من قبل باحثين سابقين، حدد الباحثون مجموعة مكونة من 85 جينًا معطلًا تظهر طفرات تعطيلية مشتركة بين الحيتان المسننة وحيتان البالين.

 

من خلال دراسة الوظائف الخاصة بالمنتوجات السليمة لهذه الجينات (البروتينات) لدى الثدييات الأخرى، حدد الباحثون ثمانية جينات يرتبط تعطيلها بتعديلات كيميائية حيوية مفيدة للحيتان. على سبيل المثال، اثنان من هذه الجينات، F12 وKLKB1، يعززان تكوين تجلط الدم. عندما تغوص الحيتان، فإنها تكون معرضة لخطر تكوين جلطات غير مرغوب فيها نتيجة تضيق الأوعية الدموية وظهور فقاعات نيتروجين صغيرة في الدم. هذه الفقاعات يمكن أن تكون أسطحًا تحفز التجلط.

 

يساعد تعطيل الجينين F12 وKLKB1  في تقليل خطر تكوين الجلطات الضارة. يوضح الشكل أدناه بعض المواقع المحددة في هذه الجينات التي تحتوي على طفرات تعطيلية. مقارنة بالثدييات الأخرى، تمتلك الحيتان طفرة إدراج لقاعدتين (“GG”) في جين F12، مما يعطل تعبير الجين. أما جين KLKB1، فقد تم حذف جزء كامل يحتوي على الإكسونات 6-12 من محتوى الجين. ومرة أخرى، فإن التفسير الأكثر منطقية لوجود هذه الجينات المعطلة هو أنها موروثة من سلف مشترك لهذه الأنواع، ولكنها تعرضت لتعديلات كبيرة خلال مسيرتها التطورية.

أمثلة على الطفرات المعطلة لجينات F12 و KLKB1 في الحيتان (خط أحمر). هذه الجينات في الثدييات الأخرى تعزز تخثر الدم. المصدر

 

 

أحافير تطور الحيتان

 

  • تحول موقع فتحات أنف الحيتان عبر الزمن

 

يتطلب التطور والسلف المشترك وجود العديد من الأنواع الوسيطة بين الحيتان الحية وأسلافها الأرضية الأولى. وكانت لهذه الأنواع خصائص جسدية تتوسط بين أسلافها المبكرة والحيتان الحديثة. عادة ما تحافظ الحفريات على الخصائص الهيكلية للعظام دون أن تترك أثرا للأنسجة الرخوة. لذا، سنركز هنا على الخصائص الهيكلية مثل الأرجل الخلفية، فتحات الأنف، والكاحلين. أما التكيفات الخاصة الأخرى للحيتان، مثل الأنظمة الفيسيولوجية للولادة، وتبادل الحرارة، والهيموغلوبين، وغيرها، فهي ليست سهلة التتبع عبر الحفريات، ولذلك لن يتم تناولها هنا.

 

إحدى أقدم الأنواع الأحفورية التي تم تحديدها على أنها تنتمي إلى سلالة الحيتان هي Pakicetus، التي تعود إلى حوالي 52 مليون سنة مضت. (كما أشرنا سابقًا إلى الخاصية المميزة لعظم الأذن التي تعرف الحيتانيات). مثل معظم الثدييات الأرضية، فإن فتحات أنفها تقع بالقرب من مقدمة الخرطوم. بالمقابل، تقع فتحات أنف الحيتان الحديثة بعيدًا في مؤخرة الخطم، تقريبًا فوق العينين، على قمة رأسها. وغالبًا ما يُطلق على فتحات أنف الحيتان الحديثة اسم “فتحات النفث”.

 

نتوقع من التطور أنه مع الأجيال المتعاقبة، تحركت فتحات الأنف على مراحل متتالية من مقدمة الخطم في Pakicetus  إلى قمة الرأس في الحيتان الحديثة. ورغم أننا لن نجد جميع حفريات الأنواع الوسيطة، إلا أنه من المتوقع في إطار التطور أن نجد على الأقل بعض الأنواع الحفرية الإنتقالية، التي يعود تاريخها إلى ما بين 52 مليون سنة مضت وحتى الوقت الحاضر، التي تحتوي على فتحات أنف تقع بين مقدمة الخطم وقمة الرأس. وهذا بالضبط ما وجدناه.

 

تظهر الأشكال أدناه فتحات الأنف (باللون الأسود) لخمسة حيتان مسننة على يسار الخط الأزرق مرتبة ترتيبا زمنيا من اليسار الى اليمين، والتي عاشت من 52 مليون سنة مضت وحتى الحاضر.  وهنا يظهر لنا جليا تقدم عام لتحرك فتحات الأنف من مقدمة الخطم الى قمة الجمجمة. وفي يمين الخط الأزرق يظهر جمجمة Aetiocetus الذي عاش بين 23 و 24 مليون سنة مضت، والذي يمتلك بالفعل سمات الحيتان الحديثة، حيث تقع فتحة الأنف في منتصف الطريق إلى الى مؤخرة الخطم، مقارنة بحوت Baleanoptera الحديث الذي يمتلك فتحات أنفه على قمة الجمجمة.

 

المراحل الانتقالية لتحرك فتحة الأنف من مقدمة الخطم الى قمة الجمجمة: المصدر

 

إليك مجموعة أخرى من جماجم الحيتان، اثنان من الحفريات (47 مليون سنة مضت و 36 مليون سنة مضت) وأخرى حديثة. تظهر هذه مرة أخرى تحولًا عامًا إلى الوراء في موضع فتحات الأنف مع مرور الوقت. بالنسبة للجمجمة في الوسط، تقع فتحات الأنف تقريبًا في منتصف الرأس.

المصدر

 

  • التغيرات في الأطراف الخلفية والحوض

 

لا تمتلك الحيتان الحديثة (باستثناء الأفراد الذين حدث لهم تأسل رجعي و النادرين جدًا) أي أطراف خلفية. وعند العودة بالزمن إلى الوراء، نتوقع من منظور التطور أن نجد بعض الحفريات التي تحتوي على سيقان صغيرة وآثارية، ثم سيقان أكبر وأكثر وظيفة في أسلافها البرية المبكرة.

 

أولًا، عند العودة إلى بعض الحفريات من فترة 35-40 مليون سنة مضت، مثل Basilosaurus و Dorudon . تبدو هذه الحيتان مشابهة جدًا للحيتان الحديثة من حيث المظهر العام، لكنها تمتلك أطرافا خلفية صغيرة. هذه الأطراف تحمل جميع السمات المميزة التي تجعل منها أطراف أثرية. فهي صغيرة جدًا بحيث لا يمكنها أن تعمل كسيقان تحمل الوزن، لكنها تحتفظ بالعديد من الميزات المرفولوجية لأطراف أرضية عادية. تحتوي سيقان Basilosaurus على عظم فخذ ، ومفصل ركبة مع الرضفة (عظمة رأس الركبة)، وكاحل كامل يحتوي على عظم الساق والشظية. في الصورة أدناه يظهر كاحل Basilosaurus ، مع الساق السفلى والشظية، وعدد من عظام الأصابع.

المصدر : جامعة فيرجينيا الغربية

 

حوض Dorudon (في الصورة أدناه) غير متصل بالعمود الفقري، وبالتالي لا يمكنه تحمل أي وزن معتبر. ومع ذلك، مرة أخرى، هيكل الساق الخلفية تشبه كثيرا الساقين في الأنواع البرية، حيث يحتوي على عظم الفخذ وعظام الكاحل وأصابع القدم.

 

في الصورة أدناه نجد مقارنة بين الهياكل العظمية لـ Basilosaurus  و Dorudon  مع Pakicetus  ونوع آخر وسيط هو Ambulocetus.  تشير عدة دلائل إلى أن Pakicetus رغم كونه بريًا بالكامل، إلا أنه كان يذهب إلى الأنهار لاصطياد الأسماك. أما Ambulocetus فقد كان أكثر تكيفًا مع الحياة المائية، حيث كانت أطرافه أقصر بشكل نسبي وأقدامه كبيرة، مما سهل له التجديف تحت الماء على الرغم أنه أصبح أقل مرونة على اليابسة. تم العثور على معظم عظام Ambulocetus، ولكن لم يتم العثور على فكه السفلي، لذلك لا نعرف بالضبط مكان فتحات أنفه؛ والصورة أدناه هي إعادة بناء معقولة استنادًا إلى العظام المكتشفة والمقارنات المرفولوجية مع الأنواع الأحفورية المشابهة له.

 

 

أما الشكل أدناه فيتضمن هيكل Rodhocetus  ، الذي كان أكثر تكيفًا مع الحياة البحرية من Ambulocetus.

المصدر

 

 

أرجل Rodhocetus  أقصر وذيله أقوى مقارنة بـ Ambulocetus. حيث تظهر السمات على عظام الأصابع أن القدمين كانتا ملتصقة (كأقدام الإوز من أجل التقريب) ما يشير الى أنه كان يعتمد عليها للتجديف تحت الماء، كما أن الأصابع كانت تنتهي بأظافر أو حوافر صغيرة. وقد كانت عظام قدميه طويلة جدًا ورفيعة لدرجة أنها لم تكن تدعم وزن الحيوان على الأرض، لذا عند صعود Rodhocetus  إلى اليابسة، كان عليه المشي أساسًا على كعبيه. كان الذيل قويًا ومليئ بالأنسجة العضلية بشكل كبير، مما يساعده كذلك في السباحة. كما تم العثور على حفريات Rodhocetus  في مواقع تشير إلى أنه كان يسبح بعيدًا في البحر، على الرغم من أنه كان يتغذى في الغالب في الأماكن القريبة من الشاطئ. كان الوركين متصلة بالعمود الفقري، مما يسمح للأرجل الخلفية بتحمل بعض الوزن، ولكن الحوض كان متصلًا بعدد أقل من الفقرات مقارنة بالثدييات البرية العادية. وأيضا لم تكن فقرات العجز (ذلك الجزء من العمود الفقري الذي يتصل بالحوض) ملتحمة ومندمجة، مما يجعل منه مرة أخرى مختلفا عن الثدييات البرية العادية. حيث يسمح العجز غير المتصل للعمود الفقري بأن يكون الحوت أكثر مرونة أثناء السباحة وأقل كفائة على اليابسة.

 

في مقال نشره Robert Boessenecker من معهد نيويورك للتكنولوجيا، عرض تفاصيل إضافية حول Rodhocetus، بما في ذلك بعض التكيفات المماثلة للثدييات البحرية في السمع تحت الماء:

 

“الفك السفلي يحتوي على فتحة كبيرة بالقرب من مفصل الفك، تكون في الحيتان المسننة الحديثة مليئة بالدهون وتسمح  بتنتقل الأصوات عبر العظم الرقيق في جانب الفك إلى الأذن الوسطى والداخلية. في الثدييات البرية (بما في ذلك البشر)، يحدث السمع تحت الماء عندما تنتقل موجات الصوت عبر عظام الجمجمة إلى الأذنين. تصل الأصوات التي تنتقل بهذه الطريقة إلى كل أذن في نفس الوقت تقريبًا، ولا يمكن تحديد الاتجاه الذي جاءت منه، تسمح هذه الفتحة في الفك السفلي لـ Rodhocetus  وبعض الحيتان الأخرى بالسمع الاتجاهي أثناء السباحة تحت الماء. وهذا يدل على أن Rodhocetus  كان متكيفًا بشكل جيد مع البيئة المائية… الأسنان في الفم (القواطع والأنياب) مخروطية الشكل (مثل العديد من الحيتان المسننة التي تأكل الأسماك)، مما يشير إلى أن Rodhocetus  كان يتغذى على الأسماك. … تشير تحليلات النظائر الكربونية للأسنان إلى أنه كان يتغذى في مناطق ذات ملوحة منخفضة، على عكس البيئة البحرية العميقة التي ترسبت فيها الصخور الرسوبية التي دفنته”

 

فيما يلي العظام التي تم جمعها من عينة جزئية قديمة (1994) لـ Rodhocetus؛ لاحظ أن فتحة الأنف تقع خلف مقدمة الخطم، لكنها ليست بعيدة مثلBasilosaurids.

 

المصدر : Gingerich, et al 1994

 

بعض التغيرات التدريجية في السمات المرفولوجية التي ناقشناها في مسيرة تطور الحيتان موضحة في الشكل أدناه، وتبين مجموعة من الحفريات الانتقالية المثالية التي تثبت بما لا يدع مجالا للشك حقيقة تطور الحيتان من سلف مشترك برية

المصدر : McGowen et all 2014

 

 

  • عظام الكاحل المميزة للحيتان تتوافق مع الرابط الجيني مع فرس النهر

 

أقرب الأقارب الجينيين للحيتان الحالية هو فرس النهر. كانت هذه العلاقة مثيرة للجدل عندما تم اكتشافها لأول مرة، لأن الحيتان آكلة للحوم بينما يعتبر فرس النهر في الغالب من الحيوانات العاشبة. في القرن العشرين، تم اقتراح مجموعة من الحيوانات آكلة اللحوم المنقرضة تسمى Mesonychids  كأصول أرضية للحيتان. وكان يُعتقد أنها أقرب الأقارب للحيتان بناءً على السجل الأحفوري في ذلك الوقت. وبالتالي، في أواخر التسعينيات، كان هناك انقسام بين السجل الأحفوري الذي كان يفضل Mesonychids  والأدلة الجينية التي كانت تدعم سلفا مشتركا مع فرس النهر. على الرغم من أن المعارضين للتطور ما زالوا في بعض الأحيان يستشهدون بالأوراق من تلك الحقبة لادعاء وجود تناقض بين الأحافير والأدلة الجينية، فإن هذه الجدل تم حله فعلاً مع اكتشافات أحفورية إضافية في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الواحد والعشرين، والتي دعمت بوضوح الرابط مع فرس النهر بدلاً من Mesonychids.

 

فرس النهر هو نوع من الحيوانات ذوات الأقدام الزوجية (artiodactyl). الأرتيوداكتيلات هي حيوانات ذات حوافر ولها عدد زوجي من الأصابع الحاملة للوزن. ميزة تشريحية مميزة لجميع الأرتيوداكتيلات الحية هي عظمة الكاحل (astragalus) التي تحتوي على كتل عظمية مزدوجة على السطحين العلوي والسفلي لعظمة الكاحل. يشار إلى هذه الصفة باسم ” double pulley”. من المتوقع بناءً على البيانات الجينية أن تكون أسلاف الحيتان المبكرة تحمل أيضًا عظمة كاحل بهذا الشكل. وهذا ما تم اكتشافه بالفعل.

 

فيما يلي شكل يظهر الأستراغالوس الخاص بالحفرية الانتقالية  Pakicetus، موضحًا مدى تشابهه مع الأرتيوداكتيلات الحديثة مثل الخنزير والغزال، واختلافه عن حيوانات أخرى مثل الكلاب. مرة أخرى، Pakicetus هو حيوان قديم جدًا (منذ حوالي 52 مليون سنة) تم التعرف عليه كحوت بناءً على هيكل أذنه. تظهر هذه العظمة في الكاحل التوافق مع البيانات الجينية المقارنة.

Campbell 11th edition, Figure 22.19, p 475

 

 

هذا المقال مترجم من هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *