لا أكاد أشاهد خلقويا أو أقرأ له سواء على الفيسبوك او على موقع أو كتاب، إلا واستحضر في كلامه بعضا مما يسمونه “تزييف الحفريات” ليظهر للعامة من الناس أن العلماء التطوريين يعملون ليلا ونهارا لتزييف وتزوير الحفريات لتتناسب مع نظرية التطور.
وحين تسأله عمن قام بتزييف حفرية ما، يجيب “التطوريون” ثم تسأله مجددا: ومن كشف وفضح هذا التزييف والتزوير؟ يجيبك “التطوريون أنفسهم طبعا”. وهل تريد تقنع الناس بأن التطوريين يصنعون حفريات مزورة تم بفضحون أنفسهم بأنفسهم؟ أليس هذفهم في الأساس هو التستر عن التزوبر واقناع الناس بأن التطور قد حصل؟ هل هم أ.غبياء إلى هذه الدرجة؟ أم أن الذي يحاول صناعة قصص كهذه يحاول أن يملأ بها كيسه المتقوب والمهترئ من الأدلة الهشة لصالح سخافة الخلقوية و التصميم الذكي ؟
أحد الأمثلة التي يعرضونها هو انسان نبراسكا والذي قام التطوريون ببناء رسم له فقط بالاعتماد على ضرس واحد، وجعلوه حلقة انتقالية ودليلا على التطور، وبعدها اتضح أنه ضرس خنزير وليس لإنسان.
والحقيقة أن هذا الضرس عثر عليه هارولد كوك عام 1917 في ولاية نبراسكا في الولايات المتحدة الأمريكية. وأرسله الى هينري أوسبورن عالم حفريات ورئيس المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي عام 1922. فقام أوسبورن بدراسته وخلص إلى أن هذا الضرس يعود لنوع من البشرانيات وأسماه Hesperopithecus haroldcookii وقال أوسبورن أن هذا النوع لا يقع في خط تحدر الانسان وقد يكون قرد يمتلك ضرسا شبيها بالانسان.
كما أن أوسبورن نفسه قال عام 1922 حين نشر وصف هذا الضرس:
“الى أن نحصل على المزيد من الأسنان، أو أجزاء من الجمجمة أو الهيكل العظمي. لا يمكننا أن نتيقن مما إذا كان Hesperopithecus عضوا في عائلة Simiidae أو عضوا في عائلة Hominidae”
“Until we secure more of the dentition, or parts of the skull or of the skeleton, we cannot be certain whether Hesperopithecus is a member of the Simiidae or of the Hominidae.”
أي أن ضرسا واحدا لا يكفي لتحديد تصنيف النوع بدقة، كما أن معظم علماء الحفريات لم يتقبلوا استنتاج أوسبورن الذي يفضي الى أن الضرس يعود لنوع من القردة العليا، فقد قال جورج ماكوردي George MacCurdy عام 1924 :
” السن لم تكن محفوظة بشكل جيد، ولذلك لم يتم قبول صلاحية حكم أوسبورن بشكل عام”
“The teeth are not well preserved, so that the validity of Osborn’s determination has not yet been generally accepted.”
وقد عاد أوسبورن نفسه الى نبراسكان في صيف 1924 و1925 ليجمع المزيد من العينات، ليتضح فيما بعد عام 1927 أن هذه الأسنان تعود لنوع من الخنازير، وتوصل الى الاكتشاف علماء تطوريين أنفسهم. والسبب في سوء تصنيف ضرس نبراسكا هو تشابه أضراس الخنازير مع القردة العليا من جهة، وعدم بقاء الضرس محفوظا وسليما من جهة أخرى.
أما بالنسبة للصورة التي تم رسمها لضرس نبراسكا (كما هي موضحة في الصورة المرافقة) فلم تكن إعادة بناء مبنية على أساس تشريحي، وانما كانت مجرد خربشات رسمها Amedee Forestier من أجل صحيفة اخبارية بريطانية. وقد علق أوسبورن نفسه على هذا الرسم بقوله:
“مثل هذا الرسم أو “إعادة البناء” سيكون بلا شك نسجًا من خيال لا قيمة له علميًا ، وغير دقيق بلا شك”
“such a drawing or ‘reconstruction’ would doubtless be only a figment of the imagination of no scientific value, and undoubtedly inaccurate.”
العلماء يعملون بجد لكي يحصلوا على أدق البيانات العلمية من خلال التمحيص والتدقيق وتحصيل المعلومات الجديدة إما لبناء وتعزيز المعلومات القديمة أو إعادة صياغتها. وهم بذلك يحققون العلم التجربي.
أما الخلقيين فلا تجد في جعبتهم غير حجج بالية إما احتكام للجهل أو جهل بالمعطيات العلمية والمنطقية، وأحيانا تجدهم يتدمرون من الطرق التي يصحح بها العلم نفسه (في الباليونتولوجي فقط) ويريدون من علماء الحفريات أن لا يخطؤوا أبدا، نعم يريدون أن يجعلوا منهم آلهة.