تباعد الأنواع لا يحدث فقط في البعد الزمني، وإنما يحدث أيضًا في الأبعاد المكانية، لذلك فإن الأسلاف المشتركة تنشأ في موقع جغرافي معين. وبالتالي، يجب أن يكون التوزيع المكاني والجغرافي للأنواع متسقًا مع علاقاتهم الجينية المتوقعة. يُتوقع من الشجرة التطورية القياسية أن الأنواع الجديدة يجب أن تنشأ بالقرب من الأنواع القديمة التي تنحدر منها. يجب أن تكون الأنواع المعاصرة المرتبطة ارتباطًا وثيقًا قريبة جغرافيًا، بغض النظر عن موائلها أو تكيفاتها المحددة. وإذا لم تكن كذلك، فمن الأفضل أن يكون هناك تفسير جيد، مثل التنقل الكبير (مثل الحيوانات البحرية، الطيور، التوزيع بوساطة الإنسان، إلخ)، انجراف القارات، أو فترة زمنية طويلة منذ تباعدها. بهذا المعنى، يجب أن يعكس التوزيع الجغرافي الحالي للأنواع تاريخ نشأتها.
بدون أخد الفهم التطوري في الحسبان فإن الأنواع يجب أن تتواجد في أي مكان يمكن أن تعيش فيها. ومع ذلك، تقدم نظرية التطور توقعات عكس ذلك تمامًا — يجب أن تكون هناك العديد من المواقع الجغرافية التي يمكن أن تزدهر فيها بعض الأنواع بشكل كبير لكننا لا نجدها هناك على الإطلاق بسبب الحواجز الجغرافية.
Futuyma, D. (1998) Evolutionary Biology. Third edition. Sunderland, Mass., Sinauer Associates.
مع بعض الاستثناءات، تعيش كل الجرابيات فقط في أستراليا. بعض الأنواع تعيش في أمريكا الجنوبية مثل حيوان الأبوسوم، وتفسير ذلك بانجراف القارات حيث كانت أمريكا الجنوبية وأستراليا والقارة القطبية الجنوبية تشكل قارة واحدة تسمى غوندوانا. وعلى النقيض من ذلك، فإن الثدييات المشيمية تكاد تكون غائبة في أستراليا، على الرغم من أن العديد منها قد يزدهر هناك. وقد أدخل البشر معظم القليل من الثدييات المشيمية الموجودة في أستراليا، وانتشرت بسرعة.
وبالمثل، فإن المناطق الجنوبية من أمريكا الجنوبية وإفريقيا وكل أستراليا تشترك في وجود الأسماك الرئوية، والطيور الشبيهة بالنعام (الطيور الجارية)، والضفادع الليبتوداكتيلية — وهي الأنواع التي لا توجد في أي مكان آخر. التماسيح وبعض الأنواع من السلمندر العملاق وأشجار الماغنوليا توجد فقط في شرق أمريكا الشمالية وشرق آسيا (هاتان المنطقتان كانتا ملتحمتان قديما في قارة تسمى لوراسيا).
بالإضافة إلى ذلك، تتميز صحاري أمريكا وسهول الصحراء الكبرى وأستراليا ببيئات متشابهة للغاية، وتنمو النباتات من إحداها بشكل جيد في الأخرى. ومع ذلك، فإن نباتات الصبار الأصلية تعيش فقط في الأمريكتين، في حين أن نباتات الصحراء الكبرى وأستراليا تنتمي إلى عائلات نباتية بعيدة الارتباط (معظمها من عائلة السروبيات). وقد أدخل البشر الصبار الوحيد الموجود في المناطق النائية الأسترالية، وهو ينمو بشكل جيد في موقعه الجغرافي الجديد.
تشترك السواحل الغربية والشرقية لأمريكا الجنوبية في بيئات متشابهة، ولكن الحياة البحرية تختلف بشكل كبير. بالإضافة إلى ذلك، تعيش أفراد عائلة الأناناس ذات الصلة الوثيقة في العديد من البيئات المتنوعة (مثل الغابات المطيرة والمناطق الجبلية والصحاري)، ولكن نجدها فقط في المناطق الاستوائية الأمريكية، وليس في المناطق الاستوائية الأفريقية أو الآسيوية.
كل هذه الحقائق تدل بما لا شك فيه أن التطور قد حصل بالفعل، وأنه لو لم يحصل تطور لوجدنا الأنواع موزعة بشكل يتناسب مع بيئات عيشها في كل الكرة الأرضية، لكنها تتبع نمط صارما يشير الى حقيقة واحدة لا غير، وهي حقيقة التطور.
مترجم بتصرف من :
https://www.talkorigins.org/faqs/comdesc/section2.html#present_biogeography