بالإعتماد على الأنشطة البيوكيميائية للحمض النووي، يمكن تقسيمه الى ثلاثة أقسام: 1، مناطق يتم نسخها وترجمتها. 2، مناطق يتم نسخها ولا تتم ترجمتها. 3، مناطق لا يتم نسخها ولا ترجمتها. ويمكن لأي من هذه المناطق أن تتكون من تسلسلات وظيفية وأخرى غير وظيفية، ويجدر بنا الإشارة الى أن النشاط البيوكيميائي لا علاقة له بالوظيفة البيولوجية إطلاقا، فيمكن لعلكة ما أن تلتصق بحدائي وأنا أسير في أزقة المدينة دون أن أدري بذلك، وهذا نشاط يمكن ملاحظته، ولكن لا يصح القول بأن وظيفة الحداء هي التقاط العلكة من الشارع، وقد كتبنا مقالا مفصلا للتفريق بين النشاط و الوظيفة (راجع المقال السابق من هذه السلسلة) .
عدم التفريق بين النشاط البيوكيميائي للحمض النووي ووظيفته أدى الى ظهور مفاهيم خاطئة حول أقسام الجينوم، لدرجة أن كثير من الناس ومن بينهم كتاب علميين كبار يعتبرون كل تسلسل لا تشفر للبروتينات هي خردة ولا وظيفة لها، كما أن طرفا اَخر من الناس ومن بينهم القائمون على مشاريع علمية كبرى (مثل ENCODE) يعتبرون كل نشاط بيوكيميائي لتسلسل في الحمض النووي وظيفة بيولوجية.
إذن فالأقسام الثلاثة للحمض النووي التي ذكرناها سابقا، يمكن أن يحمل كل منها حمضا نوويا قمامة وحمضا نوويا وظيفيا (انظر الصورة المرافقة)، وهذا الأخير عبارة عن تسلسلات في الحمض النووي تم انتخابها لأداء وظيفة معينة، وتنقسم هي الأخرى الى literal DNA و indifferent DNA، ويعني القسم الأول كل تسلسل يكون فيه ترتيب النيوكليوتيدات وطولها مهما جدا، ويخضع هذا الترتيب والطول للإنتخاب الطبيعي، فكلما تغير احدهما تغيرت وظيفة هذا التسلسل، كالجينات التي تشفر للبروتينات على سبيل المثال. أما القسم الثاني indifferent DNA فهو عبارة عن تسلسلات وظيفية وضرورية في الحمض النووي لكنها لا تتأثر بترتيب النيوكيوتيدات داخلها، فتكون بذلك غير متأثرة بالطفرات الجينية النقطية، ولكنها تخضع للإنتخاب عند تعرضها لطفرات حذف أو إظافة.
أما بالنسبة للحمض النووي القمامة Rubbish DNA فينقسم بدوره الى قسمين رئسيين، القسم الأول وهو الحمض النووي الخردة junk DNA وهي التسلسلات التي لا تملك تأثيرا منتخبا، ولا يؤثر عليه الإنتخاب الطبيعي، وكما هو الحال مع الخردة التي تتواجد في المراَب فإن صاحب المنزل يمكنه استعمال هذه الخردة في المستقبل من أجل صناعة أشياء مفيدة، فمثلا يمكنه استخدام الخشب المبعثر من أجل صناعة كرسي خشبي من الخردة، وكذلك الأمر بالنسبة للحمض النووي الخردة فيمكن للطفرات التي تحدث فيه أن تتسبب في ظهور جينات جديدة تسمى بجينات دي نوفو De novo genes رغم ذلك يسمى بالخردة في الوقت الحاضر كونه غير وظيفي. أما بالنسبة للقسم الثاني فيسمى الحمض النووي الزبالة Garbage DNA وهو قطع من الحمض النووي يعمل الإنتخاب الطبيعي على إزالتها، لكونها تؤثر بالسلب على قدرة الكائن الحي على البقاء، وتوجد فقط في فترة زمنية من الخط الزمني التطوي للنوع وتتم ملاحظتها قبل أن يزيلها الانتخاب الطبيعي، وتكون قد ظهرت قطع أخرى من الحمض الزبالة لكون عملية ظهورها مستمرة مع استمرار تطور الجينوم.
إذن فمن الناحية الوظيفية يتكون الجينوم من أربعة أقسام، قسمين وظيفيين وقسمين غير وظيفيين، ويمكن لهذه الأقسام أن تتحول الى بعضها البعض مع مرور الزمن وخضوعها للطفرات العشوائية، فمثلا ذكرنا أن junk DNA يمكن أن يتحول الى literal DNA ويكون لنا جينات وظيفية جديدة تسمى De novo genes، كما يمكن أن يحدث العكس فيتحول literal DNA الى junk DNA مكونا بذلك ما يسمى بالجينات الزائفة Pseudogenes، ويمكن كذلك لبعض الأمراض الوراثية أن تظهر عند تحول junk DNA أو literal DNA الى الحمض النووي الزبالة Garbage DNA.
ويمكن كذلك للحمض النووي الزبالة أن يتحول الى الحمض النووي الخردة، فيفلت بذلك من ضغط الانتخاب الطبيعي السلبي عليه، ويعرف بعد تحوله بالحمض النووي الزومبي zombie DNA وهو حمض نووي غير وظيفي كذلك.
Brenner S (1998) Refuge of spandrels. Curr Biol 8:R669
Graur D (2016) Molecular and genome evolution. Sinauer Associates, Sunderland
Chen YH et al (2003) KCNQ1 gain-of-function mutation in familial atrial fibrillation. Science
Cho JH, Brant SR (2011) Recent insights into the genetics of inflammatory bowel disease
2 Responses