تعرض الإنسان خلال مسيرته التطورية للإصابة بقسم من الفيروسات يدعى الفيروسات القهقرية RETROVIRUSES، وهي فيروسات تحمل مادتها الوراثية على شكل RNA، وبمجرد أن تدخل الى الخلية فإنها تدمج مادتها الوراثية داخل جنوم المضيف، وذلك بمساعدة بعض الانزيمات مثل النوكلياز الداخلي والناسخ العكسي، اللذان يقومان بتحويل RNA الفيروس الى حمض نووي مزدوج DNA وادراجه في موقع اَخر في الجينوم، وتسلسل الفيروس الذي تم ادراجه في داخل الحمض النووي للمضيف يكون متوفرا على محفزات تساعد عوامل النسخ على الارتباط بموقع الإدراج، وصنع نسخ أخرى من هذا الفيروس وتعمل الانزيمات السابقة على ادراجها في أماكن مختلفة من الجينوم، وحين تصيب هذه الفيروسات الخلايا الجنسية Germ cells فإنها تصبح قابلة للتوريث من جيل الى اَخر، وتسمى حينها الفيروسات القهقرية داخلية المنشأ Endogenous Retroviruses.
يتكون حوالي 8% من الحمض النووي للإنسان من هذه الفيروسات القهقرية، ولا تمتلك أي تأثير منتخب (وظيفة بيولوجية) على الإنسان، ولذلك فإنها تصنف ضمن الحمض النووي الخردة، وتتنقسم هذه النسبة الى حوالي 31 نوع من الفيروسات القهقرية داخلية المنشأ مكونة جميعها من حوالي 200000000 قاعدة نيتروجينية داخل الحمض النووي، موزعة على 30000 موقع مختلف، هذا يعني أنك تحمل بداخلك الاَن كمية من الفيروسات القهقرية عديمة الفائدة داخل حمضك النووي أكبر من كمية الجينات الضرورية (الوظيفية) وسوف تقوم بتمرير هذه الخردة الى الأجيال اللاحقة واللاحقة.
لكن هذا لا يعني إطلاقا أن كل الفيروسات القهقرية في الحمض النووي غير وظيفية 100% ، لأنه وكما رأينا في مقال سابق من هذه السلسلة والمعنون ب”التصنيف التطوري لوظيفة الDNA” يمكن للحمض النووي الخردة أن يتحول أحيانا الى جينات وظيفية ويمكن لهذه الأخيرة أن تتحول أيضا الى خردة، بالنسبة للفيروسات القهقرية فيمكن لنسبة قليلة جدا جدا منها أن تصبح وظيفية للإنسان من خلال اَلية تسمى بالخيار المشترك Co-option، والأمر أيضا ينطبق على كل العناصر الناقلة Mobile Elements وسوف نفصل في هذه النقطة في مقال قادم.
Kliman, Richard M, 2016. Encyclopedia of evolutionary biology. P 498-504