منذ قرابة ال50 عاما بدأ العلماء في الكشف عن تركيب الحمض النووي للثدييات بوضوح، وسرعان ما لاحظوا وجود تسلسلات في الحمض النووي تتكرر اَلاف المرات، وتكون جزءا كبيرا جدا من جينوم الثدييات، وكانت بعض هذه التكرارات يصل طولها الى 5000 bp وقد أطلق عليها العلماء اسم عناصر LINEs، وتكرارات أخرى أصغر قليلا يبلغ طولها حوالي 300 bp وقد أطلق عليها العلماء اسم عناصر SINEs، ومع تقدم التقنيات العلمية للكشف عن الجينوم فنحن اليوم نعلم أن هذه العناصر هي أشكال من ينقولات راجعة retrotransposons، ويطلق على عناصر LINEs الموجودة عند الإنسان اسم L1 للاختصار، وتتكون من جينين أساسيين وهي التي تشفر لبروتين مرتبط بالحمض النووي الريبوزي، وانزيم نسخ عكسي، ونوكياز داخلي شبيه بالذي تمتلكه الفيروسات القهقرية، ويحيط بهذه الجينات مناطق غير مترجمة 3’ و 5’ من كلا الجانبين.
عندما تنسخ هذه العناصر LINEs فإن الانزيمات التي ذكرناها تقوم بتحويلها الى شريط DNA مزدوج، وتعمل على إدراجها في مكان اَخر في الجينوم، ومن خلال هذه العملية فإن العلماء صنفوا هذه العناصر ضمن الحمض النووي الأناني selfish DNA، يحتوي الجينوم البشري على حوالي 500000 نسخة من L1 لكن الغالبية العظمى منها عبارة عن قطع مختلفة الأحجام تفتقد معظم الأجزاء المكون لهذا العنصر الناقل، وحوالي 10000 نسخة كاملة الطول (5000 bp) ومن 80 الى 100 عنصر منها معروفة بأنها “نشطة”. L1s النشطة لها جينات سليمة (تعرف بالإطارات المفتوحة للقراءة ORF) ويتم نسخها بانتظام.
يتكون جينوم الإنسان من 17% من هذه العناصر L1 من بينها قطع كاملة وأخرى غير مكتملة، وهي مصدر جزء كبير جدا للحمض النووي الخرد في الجينوم، كونها مبدئيا لا تمتلك وظيفة بيولوجية (تأثير منتخب)، بالرغم من أن لها نشاط بيوكيميائي كبير داخل الخلية، فحتى النيوكلياز الداخلي الذي تنتجه يمكن تحويل أي قطعة RNA متاحة وتحويلها الى DNA داخل الخلية، ما يوفر مصدرا نشطا للجينات الزائفة وادراجها في الجينوم، ومصدرا نشطا لكميات كبيرة من الحمض النووي الخردة داخل الجينوم.
وهذا بالطبع لا ينفي وجود عناصر LINEs ذات وظيفة مهمة للكائن (في الغالب تعمل كجينات تنظيمية) وهي تشكل نسبة قليلة جدا، وذلك لأن الاَلية التي تتسبب في ظهور هذه العناصر الوظيفية نادرة جدا وتسمى بالخيار المشترك Co-option، وسوف نرى في مقال قادم أن نسبة الجينات التنظيمية تشكل أقل من 7% من جينوم الإنسان، ودراسات أخرى تقول أن نسبتها أقل من 5%، وبإضافة نسبة الحمض النووي الذي يشفر للبروتينات والذي يشكل حوالي 1.2% من جينوم الإنسان، فإن مجموع الحمض النووي الوظيفي في الإنسان لا يتجاوز 10% كأقصى نسبة، وهذا أمر حتمي نظرا لوجود مفارقة القيمة سي C value paradox التي شرحناها بتفصيل في المقال السابق.
One Response