كان الإنسان المنتصب Homo Erectus أقدم أنواع جنس الهومو المكتشفة، والذي كان يعرف سابقا باسم Pithecanthropus erectus ، الى أن اكتشف لويس ليكي وفريقه نوعا بشريا جديدا بين 1960 و1964 عاش قبل حوالي 1.7 مليون سنة في تانزانيا. وذلك بناء على عدد من العينات التي تعود الى مناطق متفرقة من الجسم، OH4، OH5، OH6، OH7, OH8, OH10,OH13, OH16,OH24، OH35, OH43, OH48, OH49 وقد تم تصنيف هذا النوع ضمن جنس الهومو لأنه كان يمتلك صفات متقدمة وأحدث من تلك التي كانت عند القردة الجنوبية Australopithecus.
Francisco J. Ayala, Camilo J. Cela-Conde 2017,
“يظهر هومو هابيليس بعض السمات التي تمثل تغييرات في الجمجمة والأسنان عند مقارنته بـ أوسترالوبيثيكوس. وجهه أقل بروزًا، وحجم الجمجمية أكبر. جهازه الماضغ أصغر، خاصةً الأضراس والضواحك، والمينا الأسنان أرق قليلاً. كما أن شكل قوس أسنانه يتخذ شكلًا شلجميا، مثل العينات اللاحقة من جنس الهومو.”
Francisco J. Ayala, Camilo J. Cela-Conde 2017,
كما يمتلك كذلك سمات أخرى أقرب الى القرد الجنوبية أكثر منها للهومو، ويمكن تلخيص كل هذه السمات التي قدمها ليكي وفريقه كما يلي:
- الفك السفلي والعلوي أصغر حجماً مقارنةً بـأوسترالوبيثيكوس ، ويعادلان حجم فك هومو إريكتوس و هومو سابينس.
- حجم الدماغ أكبر من أوسترالوبيثيكوس لكنه أصغر من هومو إريكتوس.
- الانحناء في العظم الجداري في المستوى السهمي في مرحلة بينية من خفيف (أي مميز لجنس هومو) إلى متوسط (أي مشابه لـ أوسترالوبيثيكوس).
- حجم الأضراس يتداخل مع نطاقات أوسترالوبيثيكوس و هومو إريكتوس.
- الضواحك أضيق من أوسترالوبيثيكوس وتقع ضمن نطاق هومو إريكتوس .
- عظام الترقوة مشابهة لتلك الموجودة في هومو سابينس.
- أطراف عظام اليد و عظام الرسغ مشابهة لتلك الموجودة عند الهومو سابينس.
- عظام القدم مشابهة لتلك الموجودة في هومو سابينس من حيث القوة ودعم الإصبع الكبير، لكنها تختلف في شكل سطح بكرة الكاحل وفي متانة عظام المشط نسبيًا.
- بالإضافة الى السمات التي ذكرناها أعلاه من بروز الوجه وحجم الجمجمة و الجهاز الماضغ ومينا الأسنان وشكل الفك السفلي، وطبعا صناعة الأدوات … التي تجعل هذا النوع أقرب الى جنس الهومو أكثر من الأوسترالوبيتيكوس.
Francisco J. Ayala, Camilo J. Cela-Conde 2017
بعد أن نشر ليكي وفريقه وصفهم للهومو هابيليس homo habilis و أدرجوه ضمن جنس الهومو، أعاد الكثير من الباحثون تصنيفه ضمن مجموعات مختلفة منهم من صنه ضمن Australopithecus africanus habilis و أخرون ضمن Australopithecus habilis، وأخرون صنفوه ضمن Homo erectus habilis وأخرون ضمن Homo erectus. أي أن التصنيفات تتدحرج بين جنس الهومو وجنس الأوسترالوبيثيكوس، وذلك لأن العينات التي تم اكتشافها متباينة في سماتها المرفولوجية بشكل كبير، مثلا عينة OH62 بالرغم من أن سماتها التشريحية جعلت دونالد جوهانسون وفريقه ( Johanson et all 1987 ) يصنفونها ضمن جنس الهومو إلا أنها كانت قصيرة مقارنة بالعينات الأخرى من نفس جنسها، كانت بطول أنواع الأوسترالوبيثيكوس، عينة OH65 كانت لها بنية وجهية مشابهة لجنس البارانثروبوس Paranthropus إلا أن السمات التشريحية الأخرى جعلت Blumenschine وزملاءه يصنفونها ضمن جنس الهومو (Blumenschine et all 2003)، عينة OH 24 كانت تمتلك جمجمة صغيرة نسبيا، حوالي 600 سم مكعب، إلا أنها كانت متضررة للغاية، لكن سماتها التشريحية الأخرى جعلت الباحثين يصنفونها ضمن الهومو هابيليس.
في سبعينيات القرن الماضي ظهرت عينات جديدة للهومو هابيليس محفوظة بشكل جيد من كينيا منها جمجمة تحمل الرمز KNM-ER 1470 و عظمة فخد تحمل الإسم KNM-ER 1472 و أخرى تحمل الرمز KNM-ER 1475، كانت هذه العينات تظهر أن هذا النوع الذي عاش قبل 1.9 مليون سنة لديه جمجمة بحجم 770 سم مكعب ووجه مسطح وحواجب غير بارزة جدا… (Walker, 1981; Day, 1986)، ما يجعله مختلف عن جينس الاوسترالوبيثكوس وعن البارانثروبوس وحتى من العينات التي عثر عليها في تانزانيا التي صنفت ضمن جنس الهومو .
Francisco J. Ayala, Camilo J. Cela-Conde 2017,
نشر ريتشارد ليكي بحثا عن الجمجمة KNM-ER 1470 وقال باستحالة تصنيفها ضمن جنس الأوسترالوبيثكوس ولا هي ضمن نوع الانسان المنتصب homo erectus حتى أنه لم يرجح تصنيفها ضمن الانسان الماهر Homo habilis ضمن العينات التي عثر عليها في تانزانيا. ولا أنه اقترح تصنيفا جديدا لها وإنما اكتفى بقوله أنها تندرج ضمن الهومو (Leakey, 1973a).
KNM-ER 1470
وفي عام 1973 تم اكتشاف عينة أخرى تحمل الرمز KNM-ER 1813 تعود لنوع عاش قبل 1.8 مليون سنة لها نفس خصائص الجمجمة KNM-ER 1470 وسمات أشبه بالعينة OH24 من نوع الهوموهابيليس لكنها تمتلك جمجمة صغيرة الحجم ما جعل بعض الباحثين يصنفونها ضمن أسترالوبثيكوس أفريكانوس A. africanus، راجع ( Walker & Leakey, 1978)، وأخرون صنفوها ضمن نوع جديد من الهومو Homo microcranous ولكن أغلب العلماء اليوم يصنفون هذه العينة ضمن الهومو هابليس Homo Habilis.
Walter Carl Hartwig 2002
تم اكتشاف العديد من العينات الأخرى التي ظهرت في وقت مبكر جدا وفي مواقع مختلفة من شرق افريقيا، مثل العينة A.L. 666-1 من اثيوبيا (الفك العلوي والأسنان وجزء من الوجه) التي تعود لنوع عاش قبل 2.33 مليون سنة تقريبا، وقد تم تصنيفها ضمن نوع الهومو هابليس لامتلاكها سمات متقدمة وشبيهة بالعينات التي عثر عليها في تانزانيا Kimbel et al.1996 ، كما اقترح باحثون أخروين أن هذه العينة تمتلك أيضا سمات أقرب الى الاسترالوبثكوس Robyn Pickering 2011 . وسمات أخرى على مستوى الأسنان انتقالية بين الجنسين Davies et all 2024
A.L. 666-1
لماذا يوجد إذا هذا التباين الكبير (نسبيا) بين عينات الهومو هابليس H. habilis ؟ للإجابة على هذا السؤال ظهر ثلاثة فرضيات حاول العلماء من خلالها تقديم الأسباب التي جعلت هذه العينات التي تحمل سمات متشابهة فيما بينها وفي نفس الوقت كل منها يحمل سمات أخرى مختلفة بعضها يجعلها أقرب الى الأسترالوبثكوس وأخرى تجعلها أقرب الى الانسان المنتصب وأخرى تجعلها أرب الى البارنثروبوس … الخ
الفرضية الأولى :
الكثير من السمات التي تميز عينات الهومو هابيليس فيما بينها مثل حجم الجمجمة وحجم الأسنان تختلف كذلك بين الجنسين من نفس النوع ما يعرف باختلاف الشكل الجنسي أو مَثْنَوِيَّةُ الشَّكْلِ الجِنْسِيَّة sexual dimorphism، ومن خلال مقارنة هذه السمات بين القردة العليا الحالية وبعض الأنواع البشرية المنقرضة تبين أن هذه الفرضية غير صحيحة وأن هذه الإختلافات في السمات بين عينات الهومو هابليس ناتج من كون هذا النوع هو في الأصل ليس نوعا واحدا وانما هو مقسم الى نوعين Booth, 2011.
الفرضية الثانية :
بناء على التباين الكبير في سمات العينات الخاصة بالهومو هابليس وخصوصا التباين في حجم الجمجمة، قام العلماء بتقسيم هذا النوع الى نوعين زمننين Chronospecies، النوع الأول يدعى Homo habilis sensu stricto والذي يضم كل العينات التي لها جمجة ذات حجم أصغر، بينما النوع الزمني الأخر الذي يدعى Homo habilis sensu lato ويضم في المقابل العينات التي لها جمجمة ذات حجم أكبر، ويقسم هذا النوع الأخير أحيانا الى نوعين زمنيين Homo habilis و Homo rudolfensis كما جاء في Susan 2012 وأحيانا أخرى يصنف النوعان تحت نوع واحد Homo habilis كما في Phillip Tobias (2003.
الفرضية الثالثة :
بعض الباحثون اعتمدوا طرقا إحصائية لتصنيف عينات الهومو هابيليس، وكان ما توصلوا إليه أنها تنتمي جميعها الى نوع واحد فقط Homo habilis وأنه ليس من الضروري تقسيمها الى أنواع زمنية مختلفة Miller 2000. لكن هذه الطرق الإحصائية المعتمدة في تصنيف العينات لا تخلص الى نتائج دقيقة، وتعرضت لانتقادات كثيرة منها Booth 2011 و Juan Manuel Jiménez-Arenas et all 2011.
موقف الخلقيين من الهومو هابيليس !!
موقف الخلقيين من موضوع علمي لا وزن له إطلاقا، فلا صوت لهم ولا قيمة لآرائهم في الأوساط العلمية، وكل ادعاءاتهم هي خربشات لا تعدو عن كونها مجرد منشورات على الفيسبوك أو اليوتيوب. بخصوص الهومو هابليس فأمامهم خياران لا ثالث لهما، إما أن يعتبروه إنسان عاقل أو قرد منقرض. وإلا فإنهم سيواجهون إشكالية السمات الإنتقالية التي تثبت بما لا شك فيه صحة التطور. فماذا كان خيار الخلقيين؟
في الصورة أسفله يظهر تصنيف الخلقيين المسيحيين الذين ينسخ منهم الخلقيين العرب للعينة KNM-ER 1470 حيث صنفها بعضهم كقرد و أخرون صنفوها كإنسان، ما يشير الى تخبطهم في تصنيف الحفريات الانتقالية، حتى أن بعضهم مثل Gish صنفها كإنسان ثم غير رأيه بعد 6 سنوات ليصنفها كقرد.
وكما رأينا خلال هذا المقال فعينات الهومو هابيليس يتأرجح تصنيفها بين جنس الهومو وجنس الأوسترالوبثيكوس، وأغلب الباحثين اليوم يصنفونها ضمن الهومو. وسبب ذلك أنها تمتلك سمات مشتركة بين كلا الجنسين، فهي تمتلك سمات عتيقة شبيهة بتلك التي عند الأوسترالوبثيكوس وأخرى متقدمة كتلك التي عند الهومو، وهذا أساسا ما يجعل منها حفريات إنتقالية مثالية، وقد رأينا خلال هذا المقال العديد من هذه السمات المشتركة بين الجنسين التي تتميز بها عينات الهومو هابيليس.
E.K. Boyle, B. Wood 2020
“لأغراض هذه المراجعة، يتم الاحتفاظ بكل من هومو هابيليس و هومو رودولفنسيس ضمن جنس هومو، ولكن يتم التعامل معهما بشكل منفصل عن درجة هومو قبل الحديث (مثل الهومو اريكتوس وغيره …). وذلك لأن الأحافير المنسوبة إلى هذه التصنيفات تُظهر مزيجًا من الخصائص المرفولوجية، بعضها يُرى في الهومو قبل الحديث، وبعضها الآخر في أشباه البشر العتاق (مثل الاوسترالوبيثيكوس وغيره …).”
المصادر
Francisco J. Ayala, Camilo J. Cela-Conde. Processes in human evolution, the journey from early hominins to Neanderthals and modern humans, Oxford University Press 2017, P192.
Johanson, D. C., Masao, F. T., Eck, G. G., White, T. D., Walter, R. C., Kimbel, W. H. Suwa, G. (1987). New partial skeleton of Homo habilis from Olduvai Gorge, Tanzania. Nature, 327, 205–209.
Blumenschine RJ, Peters CR, Masao FT, Clarke RJ, Deino AL, Hay RL, Swisher CC, Stanistreet IG, Ashley GM, McHenry LJ, Sikes NE, Van Der Merwe NJ, Tactikos JC, Cushing AE, Deocampo DM, Njau JK, Ebert JI. Late Pliocene Homo and hominid land use from Western Olduvai Gorge, Tanzania. Science. 2003 Feb 21;299(5610):1217-21
Walker, A. (1981). The Koobi Fora hominids and their bearing on the origins of the genus Homo. In B. A. Sigmon & J. S. Cybulski (Eds.), Homo erectus: Papers in Honor of Davidson Black (pp. 193–215). Toronto: University of Toronto Press.
Day, M. H. (1986). Guide to Fossil Man (Fourth Edition). Chicago, IL: University of Chicago Press.
Leakey, R. E. F. (1973a). Evidence for an advanced PlioPleistocene hominid from East Rudolf, Kenya. Nature, 242, 447–450.
Walker, A. & Leakey, R. E. F. (1978). The hominids of East Turkana. Scientific American, 239, 44–56.
Kimbel, W. H., Walter, R. C., Johanson, D. C., Reed, K. E., Aronson, J. L., Assefa, Z., . . . Smith, P. E. (1996). Late Pliocene Homo and Oldowan Tools from the Hadar Formation (Kada Hadar Member), Ethiopia. Journal of Human Evolution, 31, 549–561.
Pickering, R., Dirks, P. H. G. M., Jinnah, Z., de Ruiter, D. J., Churchil, S. E., Herries, A. I. R., . . . Berger, L. R. (2011). Australopithecus sediba at 1.977 Ma and implications for the origins of the genus Homo. Science, 333(6048), 1421–1423.
Walter Carl Hartwig – The primate fossil record-Cambridge University Press 2002, p423 .
Davies, T.W., Gunz, P., Spoor, F. et al. Dental morphology in Homo habilis and its implications for the evolution of early Homo. Nat Commun 15, 286 (2024).
Booth, L. (2011). An evaluation of Homo habilis sensu lato variability through a comparative analysis of the coefficient of variation of three hominid species. Totem: The University of Western Ontario Journal of Anthropology, 18, Article 14.
Tobias, P. V. (2003). Encore Olduvai. Science, 299, 1193–1194.
Jiménez-Arenas, J. M., Palmqvist, P., & Pérez-Claros, J. A. (2011). A probabilistic approach to the craniometric variability of the genus Homo and inferences on the taxonomic affinities of the first human population dispersing out of Africa. Quaternary International, 243, 219–230
Susan C. Antón, Early Homo: Who, When, and Where, Current Anthropology 2012 53:S6, S278-S298
Boyle, E. K., & Wood, B. (2020). Human Evolutionary History. Evolutionary Neuroscience, 733–752.