لو أتيحت لك الفرصة لزيارة اليابان ذات مرة، ثم مررت على مطعم لطهو لحم الدلفين، وطلبت زعنفته على مائدة العشاء، فإنك قد تتفاجئ مما ستبدو عليه هذه الزعنفة، فبدلا من الأشواك العظمية الصغير التي ألفتها عند تناولك لسمك السردين (المرحوم) ستجد قطعا عظمية كبيرة تشبه أصابع اليد عند الانسان نوعا ما. وهذا المشهد ربما قد يمنعك من اتمام الاكل. وقد تتسائل : لماذا يمتلك كائن بحري زعانف تشبه يد الإنسان أكثر من زعنفة سمك السردين ؟
الإجابة هي أن الدلفين يمتلك سلفا مشتركا قريبا مع الإنسان، أي أن الانسان والدلفين قد تطورا من سلف مشترك قريب، فتطورت أطرافهما الأمامية لتؤدي وظائف مختلفة. وهذه الحقيقة في التشريح المقارن تسمى التماثل Homology . حيت تتطور سمات بيولوجية من نفس السمة السلف، لتؤدي وظائف مختلفة.
وكمثال على ذلك، فإن أطراف البرمائيات الأولى التي عاشت قبل 360 مليون سنة تقريبا قد تطورت لتكون مختلف أشكال الأطراف الأمامية التي نراها اليوم في الطبيعة، والتي تؤدي وظائف مختلفة، فزعنفة الدلفين تساعده على السباحة وجناح الخفاش يساعده على الطيران، ويد الانسان تساعده على الكتابة (مثلا). … وهذه احدى الأفكار الجوهرية في طريقة عمل آليات التطور، فهي تعمل على ماهو موجود أساسا فتغيره في أنواع مختلفة لتأدية وظائف مختلفة.
ويمكن لآليات التطور أن تعمل على تغيير بنى مختلفة لتأدية وظائف مشابهة، وهذا يسمى بالتنادد Analogy, مثلا زعنفة الدلفين تشبه زعنفة القرش على مستوى الوظيفة لكنهما مختلفتين من ناحية البنية، وجناح الخفاش يشبه جناح الطائر على مستوى الوظيفة لكنها مختلفين على مستوى البنية.
هذه الحقائق لا يمكن تفسيرها الا في ضوء التطور، فإن كانت الكائنات الحية قد خلقت بشكل مباشر فإنه لن يكون هناك مبرر للتنادد والتماثل، ويمكن أن نطرح آلاف الأسئلة من قبيل، لماذا خلقت زعنفة الدلفين مشابهة ليد الإنسان أكثر من زعنفة القرش بالرغم من أن الدلفين والقرش يعيشان في بيئة بحرية مشابهة؟ … ولماذا جناح الخفاش أقرب ليد الإنسان بنيويا أكثر من جناح الطائر بالرغم من أن الخفاش والطائر يتشاركان نفس البيئة الجوية ؟